(1) -

أَمَّا قِدِّيسُوكَ فَكَانَ عِنْدَهُمْ نُورٌ عَظِيمٌ، وَكَانَ أُولئِكَ يَسْمَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِغَيْرِ أَنْ يُبْصِرُوا أَشْخَاصَهُمْ، وَيَغْبِطُونَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ يُقَاسُونَ مِثْلَ حَالِهِمْ،

(2) -

وَيَشْكُرُونَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ يُؤْذُونَ، الَّذِينَ قَدْ ظَلَمُوهُمْ وَيَسْتَغْفِرُونَهُمْ مِنْ مُعَادَاتِهِمْ لَهُمْ.

(3) -

وَبِإِزَاءِ ذلِكَ جَعَلْتَ لِهؤُلاَءِ عَمُودَ نَارٍ، دَلِيلًا فِي طَرِيقٍ لَمْ يَعْرِفُوهُ، شَمْسًا لِتِلْكَ الضِّيَافَةِ الْكَرِيمَةِ لاَ أَذَى بِهَا.

(4) -

أَمَّا أُولئِكَ فَكَانَ جَدِيرًا بِهِمْ أَنْ يَفْقِدُوا النُّورَ، وَيُحْبَسُوا فِي الظُّلْمَةِ، لأَنَّهُمْ حَبَسُوا بَنِيكَ الَّذِينَ بِهِمْ سَيُمْنَحُ الدَّهْرُ نُورَ شَرِيعَتِكَ الْغَيْرَ الْفَانِي.

(5) -

وَلَمَّا ائْتَمَرُوا أَنْ يَقْتُلُوا أَطْفَالَ الْقِدِّيسِينَ، وَعُرِّضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِذلِكَ ثُمَّ خُلِّصَ، عَاقَبْتَهُمْ أَنْتَ بِإِهْلاَكِ جُمْهُورِ أَوْلاَدِهِمْ، ثُمَّ دَمَّرْتَهُمْ جَمِيعًا فِي الْمَاءِ الْغَامِرِ.

(6) -

وَتِلْكَ اللَّيْلَةُ قَدْ أُخْبِرَ بِهَا آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ، لِكَيْ تَطِيبَ نُفُوسُهُمْ، لِعِلْمِهِمِ الْيَقِينِ مَا الأَقْسَامُ الَّتِي يَثِقُونَ بِهَا.

(7) -

فَفَازَ شَعْبُكَ بِخَلاَصِ الصِّدِّيقِينَ وَهَلاَكِ الأَعْدَاءِ.

(8) -

فَإِنَّ الَّذِي عَاقَبْتَ بِهِ الْمُقَاوِمِينَ، هُوَ الَّذِي جَذَبْتَنَا بِهِ إِلَيْكَ وَمَجَّدْتَنَا.

(9) -

فَإِنَّ الْقِدِّيسِينَ بَنِي الصَّالِحِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ خُفْيَةً، وَيُوجِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَرِيعَةَ اللهِ هذِهِ أَنْ يَشْتَرِكَ الْقِدِّيسُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ عَلَى السَّوَاءِ. وَكَانُوا يُرَنِّمُونَ بِتَسَابِيحِ الآبَاءِ،

(10) -

وَقَدْ رَفَعَ الأَعْدَاءُ جَلَبَةَ أَصْوَاتِهِمْ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ عَلَى أَطْفَالِهِمْ.

(11) -

وَكَانَ قَضَاءٌ وَاحِدٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى، وَضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ نَالَتِ الشَّعْبَ وَالْمَلِكَ.

(12) -

وَكَانَ لِكُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ أَمْوَاتٌ لاَ يُحْصَوْنَ قَدْ مَاتُوا مِيتَةً وَاحِدَةً، حَتَّى إِنَّ الأَحْيَاءَ لَمْ يَكْفُوا لِدَفْنِ الْمَوْتَى، إِذْ فِي لَحْظَةٍ أُبِيدَ نَسْلُهُمُ الأَعَزُّ.

(13) -

وَبَعْدَ أَنْ أَبَوْا بِسَبَبِ السِّحْرِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِشَيْءٍ، اِعْتَرَفُوا عِنْدَ هَلاَكِ الأَبْكَارِ بِأَنَّ الشَّعْبَ هُوَ ابْنٌ للهِ.

(14) -

وَحِينَ شَمِلَ كُلَّ شَيْءٍ هُدُوءُ السُّكُوتِ، وَانْتَصَفَ مَسِيرُ اللَّيْلِ،

(15) -

هَجَمَتْ كَلِمَتُكَ الْقَدِيرَةُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْعُرُوشِ الْمَلَكِيَّةِ عَلَى أَرْضِ الْخَرَابِ بِمَنْزِلَةِ مُبَارِزٍ عَنِيفٍ،

(16) -

وَسَيْفٍ صَارِمٍ يُمْضِي قَضَاءَكَ الْمَحْتُومَ؛ فَوَقَفَ وَمَلأَ كُلَّ مَكَانٍ قَتْلًا، وَكَانَ رَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ وَقَدَمَاهُ عَلَى الأَرْضِ.

(17) -

حِينَئِذٍ بَلْبَلَتْهُمْ بَغْتَةً أَخْيِلَةُ الأَحْلاَمِ بَلْبَلَةً شَدِيدَةً، وَغَشِيَتْهُمْ أَهْوَالٌ مُفَاجِئَةٌ.

(18) -

وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ عِنْدَ صَرْعِهِ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ يُعْلِنُ لأَيِّ سَبَبٍ يَمُوتُ،

(19) -

لأَنَّ الأَحْلاَمَ الَّتِي أَقْلَقَتُهُمْ، أَنْبَأَتْهُمْ بِذلِكَ لِئَلاَّ يَهْلِكُوا، وَهُمْ يَجْهَلُونَ مَجْلَبَةَ هَلاَكِهِمْ

(20) -

وَالصِّدِّيقُونَ أَيْضًا مَسَّتْهُمْ مِحْنَةُ الْمَوْتِ، وَوَقَعَتِ الضَّرْبَةُ عَلَى جَمٍّ مِنْهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ، لكِنَّ الْغَضَبَ لَمْ يَلْبَثْ طَوِيلًا،

(21) -

لأَنَّ رَجُلًا لاَ عَيْبَ فِيهِ بَادَرَ لِحِمَايَتِهِمْ؛ فَبَرَزَ بِسِلاَحِ خِدْمَتِهِ الَّذِي هُوَ الصَّلاَةُ وَالتَّكْفِيرُ بِالْبَخُورِ، وَقَاوَمَ الْغَضَبَ وَأَزَالَ النَّازِلَةَ؛ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ خَادِمُكَ.

(22) -

فَانْتَصَرَ عَلَى الْجَمْعِ لاَ بِقُوَّةِ الْجَسَدِ وَلاَ بِإِعْمَالِ السِّلاَحِ، وَلكِنَّهُ بِالْكَلاَمِ كَفَّ الْمُعَاقِبَ، مُذَكِّرًا الأَقْسَامَ وَالْعُهُودَ لِلآبَاءِ.

(23) -

فَإِنَّهُ إِذْ كَانَ الْقَتْلَى يَتَسَاقَطُونَ جَمَاعَاتٍ، وَقَفَ فِي الْوَسْطِ فَحَسَمَ السُّخْطَ وَقَطَعَ الْمَسْلَكَ إِلَى الأَحْيَاءِ،

(24) -

لأَنَّهُ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ السَّابِغِ الْعَالَمُ كُلُّهُ، وَأَسْمَاءُ الآبَاءِ الْمَجِيدَةُ مَنْقُوشَةً فِي أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ مِنَ الْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ، وَعَظَمَتُكَ عَلَى تَاجِ رَأْسِهِ،

(25) -

فَهذِهِ خَضَعَ الْمُهْلِكُ لَهَا وَهَابَهَا، وَكَانَ مُجَرَّدُ اخْتِبَارِ الْغَضَبِ قَدْ كَفَى.