سفر طوبيا

فَأَجَابَ طُوبِيَّا أَبَاهُ وَقَالَ: «يَا أَبَتِ كُلُّ مَّا أَمَرْتَنِي بِهِ أَفْعَلُهُ.

فأجاب طوبيا أباه وقال: «يا أبت كل ما أمرتني به أفعله.

وَأَمَّا هذَا الْمَالُ فَمَا أَدْرِي كَيْفَ أُحَصِّلُهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَعْرِفُنِي، وَأَنَا لاَ أَعْرِفُهُ؛ فَمَا الْعَلاَمَةُ الَّتِي أُعْطِيهَا لَهُ؟ بَلِ الطَّرِيقُ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى هُنَاكَ لاَ أَعْرِفُهَا أَيْضًا».

وأما هذا المال فما أدري كيف أحصله، فإن الرجل لا يعرفني، وأنا لا أعرفه؛ فما العلامة التي أعطيها له؟ بل الطريق التي تؤدي إلى هناك لا أعرفها أيضا».

فَأَجَابَهُ أَبُوهُ وَقَالَ: «إِنَّ عِنْدِي صَكَّهُ، فَإِذَا عَرَضْتَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي عَاجِلًا.

فأجابه أبوه وقال: «إن عندي صكه، فإذا عرضته عليه فإنه يؤدي عاجلا.

وَالآنَ هَلُمَّ فَالْتَمِسْ لَكَ رَجُلًا ثِقَةً يَصْحَبُكَ بِأُجْرَتِهِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الْمَالَ وَأَنَا حَيٌّ».

والآن هلم فالتمس لك رجلا ثقة يصحبك بأجرته حتى تستوفي المال وأنا حي».

فَبَيْنَمَا خَرَجَ طُوبِيَّا، إِذَا بِفَتًى بَهِيٍّ قَدْ وَقَفَ مُشَمِّرًا كَأَنَّهُ مُتَأَهِّبٌ لِلْمَسِيرِ.

فبينما خرج طوبيا، إذا بفتى بهي قد وقف مشمرا كأنه متأهب للمسير.

فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّهُ مَلاَكُ اللهِ وَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا فَتَى الْخَيْرِ؟»

فسلم عليه وهو يجهل أنه ملاك الله وقال: «من أين أقبلت يا فتى الخير؟»

قَالَ: «أَنَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ». فَقَالَ لَهُ طُوبِيَّا: «هَلْ تَعْرِفُ الطَّرِيقَ الآخِذَةَ إِلَى بِلاَدِ الْمَادِيِّينَ؟»

قال: «أنا من بني إسرائيل». فقال له طوبيا: «هل تعرف الطريق الآخذة إلى بلاد الماديين؟»

قَالَ: «أَعْرِفُهَا، وَقَدْ سَلَكْتُ جَمِيعَ طُرُقِهَا مِرَارًا كَثِيرَةً، وَكُنْتُ نَازِلًا بِأَخِينَا غَابِيلُوسَ الْمُقِيمِ بِرَاجِيسِ مَدِينَةِ الْمَادِيِّينَ الَّتِي فِي جَبَلِ أَحْمَتَا».

قال: «أعرفها، وقد سلكت جميع طرقها مرارا كثيرة، وكنت نازلا بأخينا غابيلوس المقيم براجيس مدينة الماديين التي في جبل أحمتا».

فَقَالَ لَهُ طُوبِيَّا: «انْتَظِرْنِي حَتَّى أُخْبِرَ أَبِي بِهذَا».

فقال له طوبيا: «انتظرني حتى أخبر أبي بهذا».

وَدَخَلَ طُوبِيَّا وَأَخْبَرَ أَبَاهُ بِجَمِيعِ ذلِكَ، فَتَعَجَّبَ أَبُوهُ، وَطَلَبَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ.

ودخل طوبيا وأخبر أباه بجميع ذلك، فتعجب أبوه، وطلب أن يدخل عليه.

فَدَخَلَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «لِيَكُنْ لَكَ فَرَحٌ دَائِمٌ».

فدخل وسلم عليه وقال: «ليكن لك فرح دائم».

فَأَجَابَ طُوبِيَّا: «وَأَيُّ فَرَحٍ يَكُونُ لِي أَنَا الْمُقِيمَ فِي الظَّلاَمِ لاَ أُبْصِرُ ضَوْءَ السَّمَاءِ؟»

فأجاب طوبيا: «وأي فرح يكون لي أنا المقيم في الظلام لا أبصر ضوء السماء؟»

فَقَالَ لَهُ الْفَتَى: «كُنْ طَيِّبَ الْقَلْبِ فَإِنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ تَنَالُ الْبُرْءَ مِنْ لَدُنِ اللهِ».

فقال له الفتى: «كن طيب القلب فإنك عن قليل تنال البرء من لدن الله».

فَقَالَ لَهُ طُوبِيَّا: «هَلْ لَكَ أَنْ تُبَلِّغَ ابْنِي إِلَى غَابِيلُوسَ فِي رَاجِيسَ مَدِينَةِ الْمَادِيِّينَ، وَأَنَا أُوفِيكَ أُجْرَتَكَ مَتَى رَجَعْتَ؟»

فقال له طوبيا: «هل لك أن تبلغ ابني إلى غابيلوس في راجيس مدينة الماديين، وأنا أوفيك أجرتك متى رجعت؟»

فَقَالَ لَهُ المَلاَكُ: «آخُذُهُ وَأَعُودُ بِهِ إِلَيْكَ».

فقال له الملاك: «آخذه وأعود به إليك».

فَقَالَ لَهُ طُوبِيَّا: «أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ عَشِيرَةٍ وَمِنْ أَيِّ سِبْطٍ أَنْتَ؟»

فقال له طوبيا: «أخبرني من أي عشيرة ومن أي سبط أنت؟»

فَقَالَ لَهُ رَافَائِيلُ الْمَلاَكُ: «أَفِي نَسَبِ الأَجِيرِ حَاجَتُكَ أَمْ فِي الأَجِيرِ الَّذِي يَذْهَبُ مَعَ ابْنِكَ؟

فقال له رافائيل الملاك: «أفي نسب الأجير حاجتك أم في الأجير الذي يذهب مع ابنك؟

وَلكِنْ لِكَيْ لاَ أُقْلِقَ بَالَكَ، أَنَا عَزَرْيَا بْنُ حَنَنْيَا الْعَظِيمِ».

ولكن لكي لا أقلق بالك، أنا عزريا بن حننيا العظيم».

فَقَالَ لَهُ طُوبِيَّا: «إِنَّكَ مِنْ نَسَبٍ كَرِيمٍ غَيْرَ أَنِّي أَرْجُو أَنْ لاَ يَسُوءَكَ كَوْنِي طَلَبْتُ مَعْرِفَةَ نَسَبِكَ».

فقال له طوبيا: «إنك من نسب كريم غير أني أرجو أن لا يسوءك كوني طلبت معرفة نسبك».

فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ: «هَأَنَذَا آخُذَ ابْنَكَ سَالِمًا، وَسَأَعُودُ بِهِ إِلَيْكَ سَالِمًا».

فقال له الملاك: «هأنذا آخذ ابنك سالما، وسأعود به إليك سالما».

قَالَ طُوبِيَّا: «انْطَلِقَا بِسَلاَمٍ، وَلِيَكُنِ اللهُ فِي طَرِيقِكُمَا وَمَلاَكُهُ يُرَافِقُكُمَا».

قال طوبيا: «انطلقا بسلام، وليكن الله في طريقكما وملاكه يرافقكما».

حِينَئِذٍ أَخَذَا كُلَّ مَا أَرَادَا أَخْذَهُ مِنْ أُهْبَةِ الطَّرِيقِ، وَوَدَّعَ طُوبِيَّا أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَسَارَا كِلاَهُمَا مَعًا.

حينئذ أخذا كل ما أرادا أخذه من أهبة الطريق، وودع طوبيا أباه وأمه، وسارا كلاهما معا.

فَلَمَّا فَصَلاَ، جَعَلَتْ أُمُّهُ تَبْكِي وَتَقُولُ: «قَدْ أَخَذْتَ عُكَّازَةَ شَيْخُوخَتِنَا وَأَبْعَدْتَهَا عَنَّا.

فلما فصلا، جعلت أمه تبكي وتقول: «قد أخذت عكازة شيخوختنا وأبعدتها عنا.

لاَ كَانَ هذَا الْمَالُ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ لأَجْلِهِ.

لا كان هذا المال الذي أرسلته لأجله.

لَقَدْ كَانَ فِي رِزْقِنَا الْقَلِيلِ مَا يَكْفِي لأَنْ نَعُدَّ النَّظَرَ إِلَى وَلَدِنَا غِنًى عَظِيمًا».

لقد كان في رزقنا القليل ما يكفي لأن نعد النظر إلى ولدنا غنى عظيما».

فَقَالَ لَهَا طُوبِيَّا: «لاَ تَبْكِي، إِنَّ وَلَدَنَا سَيَصِلُ سَالِمًا وَيَعُودُ إِلَيْنَا سَالِمًا، وَعَيْنَاكِ تُبْصِرَانِهِ.

فقال لها طوبيا: «لا تبكي، إن ولدنا سيصل سالما ويعود إلينا سالما، وعيناك تبصرانه.

فَإِنِّي وَاثِقٌ بِأَنَّ مَلاَكَ اللهِ الصَّالِحَ يَصْحَبُهُ وَيُدَبِّرُهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا بِفَرَحٍ».

فإني واثق بأن ملاك الله الصالح يصحبه ويدبره في جميع أحواله حتى يرجع إلينا بفرح».

فَكَفَّتْ أُمُّهُ عَنِ الْبُكَاءِ عِنْدَ هذَا الْكَلاَمِ وَسَكَتَتْ.

فكفت أمه عن البكاء عند هذا الكلام وسكتت.